الأربعاء، 22 فبراير 2012

هل كان الله والتوحيد معروفين قبل الإسلام؟!

يلاحظ أن أب محمد كان اسمه عبد الله فهل كان اسم الله معروفا قبل الإسلام في الجزيرة العربية، أم أن محمدا هو أول من نادى بعبادة الله؟

الواقع أن الله كان معروفا في الجزيرة العربية قبل الإسلام. فقد جاء في (دائرة المعارف الإسلامية ج4 ص 133) "قد كان من أهل مكة في الجاهلية من يؤمن بالله واليوم الآخر.. ومن هؤلاء عبد المطلب، يزيد بن عمرو، قس بن ساعدة، واليهود والنصارى والصابئين" وجاء فيها أيضا (ج21: 6664) "أن الحنفاء كانوا موحدين بالله"

وللتوضيح هنا: الحنفاء ليسوا من مذهب أبي حنيفة، فمذهب أبي حنيفة مذهب إسلامي وجد بعد الإسلام، أما الحنفاء فهم أتباع سيدنا إبراهيم. وقد جاء عنهم في القرآن (سورة البقرة2: 135): "مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

ـ أما عن عقيدتهم في الله الواحد فذلك ما سجله ابن هشام في (السيرة النبوية ج1 ص 219) 
إذ أورد:

* قصيدة زيد بن عمرو التي يقول فيها:

أربَّـاً واحـدا أم ألـفَ ربٍ // أديـن إذا تُقُسِّمَـتِ الأمـور
عزلت اللات والعزى جميعـا // كذلك يفعل الجَـلِدُ الصبـور
فلا العـزى أدين ولا ابنتيهـا // ولا صنميْ  بني عمروٍ أزور
ولا هُبَـلا أديـن وكان ربـا // لنا في الدهر إذ حِلمي يسيـر
ولكنْ أعبـد الرحمـنَ ربـي // ليغفـر ذنبيَ الـربُّ الغفـور
فتقوى اللهِ ربِّكـمُ احفظوهـا // متى ما تحفظـوها لا تبوروا
ترى الأبـرارَ دارُهم جِنـان // وللـكفـار حاميـةً سعيـر
وخزي في الحياة، وإن يموتوا // يلاقوا ما تضيق به الصدور
             
* ومما ذكره ابن هشام في (السيرة النبوية ج1 ص218) عن زيد بن عمرو هذا "أنه قبل وحي محمد قدمت مائدة في بلدة [بلدح] فأبى زيد ابن عمر أن يأكل منها قائلا: "إني لست آكل مما ذبح للنصب [صنم] ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه" بينما أكل منها رسول الله. ويذكر ابن هشام أن السهيلي قد علق على ذلك متسائلا: "كيف وفق الله زيدا إلى ترك أكل ما ذبح على النصب الذي لم يذكر اسم الله عليه، وكان رسول الله أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية"

* ويذكر ابن هشام أن زيدا بن عمرو هذا لم يعتنق الإسلام، وكتب في السيرة تحت عنوان (عمر بن الخطاب ووقوفه ضد زيد، وخروج زيد إلى الشام وموته) فقال: "كان الخطاب قد آذى زيدا، حتى أخرجه إلى أعلى مكة فنزل حراء ... ووكل به الخطاب شبابا فآذوه خوفا من أن يفسد عليهم دينهم، فخرج إلى الشام ... وفي طريق عودته قتل في لَخْم"

* ويذكر أيضا ابن هشام في (سيرة ابن هشام ج1 ص220) عن أمية بن أبي الصلت الذي يقول في قصيدته:

إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا // وقولا رصينا لا يني الدهرَ باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه // إله ولا رب يكـون مدانيا
ألا أيها الإنسان إياك والردى // فإنك لا تخـفي من الله خافيـا
وإياك لا تجعل مع الله غيره // فإن سبيل الرشد أصبح باديـا
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى // أدين إلـها غـيرك الله  ثانيـا
فرب العباد الق سيبا ورحمة // عليَّ وبـارك في  بني وماليـا

ـ ورُوي عن مصعب بن عثمان أنه قال: كان أمية بن أبي الصلت قد لبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم والحنيفية، والتمس الدين الحنيف وقال فيه:

كل دين يوم القيامة عند // الله إلا دين الحنيفة زور

ـ وقيل أن محمدا كان يقول: "كاد أمية بن الصلت أن يسلم"

ـ ولكنه مات على توحيد الحنيفية في السنة الثانية الهجرية (كتاب شعراء النصرانية قبل الإسلام للأب لويس شيخو اليسوعي ص 226 طبعة دار المشرق بيروت)

ß من هذا وغيره الكثير يتضح أن الحنفاء كانوا يؤمنون بالله الواحد.

ـ لم يكن الحنفاء وحدهم من سكان الجزيرة يؤمنون بالله الواحد قبل الإسلام ، فهناك أيضا:

* اليهود والنصارى والصابئون: كانوا في الجزيرة العربية وكانوا يؤمنون بالله الواحد بشهادة القرآن

ـ في (سورة البقرة2: 62) " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"
- وجاء في تفسير الجلالين على هذه الآية " "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا" بِالأنْبِيَاءِ مِنْ قَبْل "وَاَلَّذِينَ هَادُوا" هُمْ الْيَهُود "وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ" طَائِفَة مِنْ الْيَهُود أَوْ النَّصَارَى "مَنْ آمَنَ" مِنْهُمْ "بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الآخِر" فِي زَمَن نَبِيّنَا "وَعَمِلَ صَالِحًا" بِشَرِيعَتِهِ "فَلَهُمْ أَجْرهمْ" أَيْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ "عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"

 ـ (سورة العنكبوت29: 46) " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"

- قال الطبري في تفسير هذه الآية: " وَإِلَهنَا وَإِلَهكُمْ وَاحِد } يَعني : مَعْبُودنَا وَمَعْبُودكُمْ وَاحِد "

ـ (سورة آل عمران3: 113و 114): "من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات"

- تفسير ابن كثير: وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ"

وماذا عن أهل قريش عباد الأصنام؟ هل كانوا يعرفون الله الواحد؟

سوف يصدم القارئ إذا عرف أن القرشيين كانوا يعرفون الله الواحد، وهذا هو الدليل والبرهان:

* تلبيتهم بالله الذي لا شريك له: يقول ابن هشام في (السيرة النبوية ج1 ص91) "فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: "لَبَّيْك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك"

* التكبير في الجاهلية: جاء في (السيرة الحلبية ج1) لما قُبل فداء عبد الله أبي محمد من عبد المطلب وهو 100 من الإبل صاح عبد الله قائلا: "الله أكبر" وكبرت قريش مع عبد الله" ولم يكن الإسلام قد جاء بعد".

* كانوا يسمَّوْن باسم عبد الله: وأكبر مثل هو: عبد الله بن عبد المطلب والد محمد نبي الإسلام (السيرة لابن هشام ج1 ص119) والكثيرون. جاء في (ابن هشام ج1 ص36) رجل اسمه قيس بن عبد الله من بني جعدة بن كعب .. بن هوزان [رجل وثني من الجاهلية]. وأيضا في (سيرة ابن هشام ج1 ص95) دوس ابن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن عبد الله بن الغوث كان عابد صنم.

ß من هذا الكلام نستوضح أن الله كان معروفا في الجزيرة العربية قبل مجيء محمد.

كان القرشيون الوثنيون يؤمنون بالله الواحد الذي لا شريك له كما مر بنا، غير أنهم اتخذوا معه شفعاء (كاللات والعزى ومنات). ولا يفوتنا أن نذكر أن محمد قد اعترف بهؤلاء الشفعاء، عندما قال في (سورة النجم53: 19) " أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى" وعندها قال "تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهن لترتجى" ثم عاد ونسخها قائلا "إن الشيطان هو الذي أوحى به إليه" (تفسير النسفي ج3 ص161).

~ ولست أدري كيف يوحي الشيطان لنبي! لا يوجد مثال واحد لنبي آخر غير محمد قد ألقى الشيطان فيما تمنى! والأهم من ذلك هو كيف يحدث هذا لنبي وقرآنه يقول في (سورة النحل16: 98ـ100): "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ" خاصة إذا أضفنا إلى ذلك السحر الذي تعرض له محمد لأكثر من عام والذي جاء عنه في (صحيح البخاري ج4 ص 33) "كان رسول الله قد سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن"، وقد علق على ذلك سفيان التوري "أن هذا أشد ما يكون السحر"

وبصرف النظر عن ذلك نعود للموضوع الأصلي وهو: التوحيد في الجزيرة قبل محمد. فنلاحظ من كل ما تقدم أن الله الواحد كان معروفا في الجزيرة العربية قبل محمد فقد اعتقد بذلك كل من الحنفاء واليهود والنصارى والصابئين والقرشيين أنفسهم الذين أدخلوا شفعاء معه.

~  وتساؤلي الجوهري هنا هو: ما الجديد إذن الذي أتى به محمد؟ فقد كانوا يشيعون أن أهم ما أتى به محمد هو التوحيد، وها قد رأينا بالدليل والبرهان أن التوحيد لم يكن جديدا بل كان معروفا من قبله.

قد يقول قائل حقيقة أن محمد لم يستحدث عبادة الله أو التوحيد، ولكن القرشيين أشركوا الأرباب أو الشفعاء، واليهود والنصارى حادوا عن التوحيد. فكان لا بد من بعث رسول ينادي بالتوحيد وهذه هي رسالة محمد كما يقولون. فما هو رأيك؟

وأجيب: هل من الممكن أن يرسل الله نبيا في عصرنا هذا لأن بعض المسلمين يشركون به الأولياء الصالحين (السادات)؟

أدعك تفكر وأجيب جوابا آخر، بصرف النظر عن أن هذا الكلام سليم أو غير سليم، فالمسيحيون الحقيقيون لم يحيدوا عن التوحيد، وإنما كان هناك بعض الهراطقة الذين شجبتهم المسيحية فهربوا إلى الجزيرة العربية، أمثال بحيرة الراهب النسطوري وغيره (وهؤلاء هم الذين عرفهم محمد وبنى أفكاره بناء على هذا المنطلق)

ولكن دعني أضيف، ماذا عن الحنيفية والحنفاء أتباع إبراهيم كما يقولون؟ هل انحرفوا هم الآخرون؟ أم ظلوا يعبدون الله الواحد، حتى أمر الله محمدا أن يتبع ملة إبراهيم كما جاء في (سورة النحل 16: 123) "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
ـ تفسير الجلالين: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك" يَا مُحَمَّد "أَنْ اتَّبِعْ مِلَّة" أي دِين "إبْرَاهِيم حَنِيفًا.

~ إني أتساءل إن كان محمد قد دُعيَ فعلا ليتبع دين إبراهيم فما الداعي إذن ليقيم دينا جديداً، ونبيا جديدا؟

~ هل نجح محمد في رسالته على مدي ما يزيد عن 14 قرن؟
فاليهود والنصارى مازالوا على ديانتيهما، رغم إعمال سيف الإسلام في رقابهم، وليس فكر الإسلام في رؤوسهم. فبالسيف قُتِلَ اليهود والنصارى الذين كانوا في الجزيرة، ولم يستطع أن يبيد اليهودية والمسيحية الحقة من العالم رغم استعماره لبلادهم.

وتساؤلي هو: إن كان الإسلام لم ينجح في رسالته، فما هو مدلول ذلك؟